ديوان ( كزهر اللوز أو أبعد...محمود درويش )..الجزء الثاني
صفحة 1 من اصل 1
ديوان ( كزهر اللوز أو أبعد...محمود درويش )..الجزء الثاني
لم ينتظر أحداً
لم ينتظرأحداً،
ولم يشعر بنقص في الوجود،
أمامه نهر رمادي كمعطفه،
ونور الشمس يملأ قلبه بالصحو
والأشجار عالية /
ولم يشعر بنقص في المكان،
المقعد الخشبي، قهوته، وكأس الماء
والغرباء، والأشياء في المقهى
كما هي،
والجرائد ذاتها: أخبار أمسِ، وعالم
يطفو على القتلى كعادته /
ولم يشعر بحاجته إلى أمل ليؤنسه
كأن يخضوضر المجهول في الصحراء
أو يشتاق ذئبٌ ما إلى غيتارة،
لم ينتظر شيئاً، ولا حتى مفاجأةً،
فلن يقوى على التكرار... أعرفُ
آخر المشوار منذ الخطوة الأولى -
يقول لنفسه - لم أبتعد عن عالمٍ،
لم أقترب من عالمٍ
لم ينتظر أحداً.. ولم يشعر بنقص
في مشاعره. فما زال الخريف مضيفه الملكي،
يغريه بموسيقى تعيد إليه عصر النهضة
الذهبي ... والشعر المُقفى بالكواكب والمدى
لم ينتظر أحداً أمام النهر /
في اللا إنتظار أُصاهر الدوريَّ
في اللا إنتظار أطون نهراً - قال -
لا أقسو على نفسي، ولا
أقسو على أحدٍ،
وأنجو من سؤال فادح:
ماذا تريد
ماذا تريد؟
برتقالية
برتقالية، تدخل الشمس في البحر /
والبرتقالة قنديل ماء على شجر بارد
برتقالية، تلد الشمس طفل الغروب الإلهيَّ /
والبرتقالة خائفة من فم جائع
برتقالية، تدخل الشمس في دورة الأبدية /
والبرتقالة تحظى بتمجيد قاتلها:
تلك الفاكهة مثل حبة الشمس
تقَشرُ
باليد والفم، مبحوحة الطعم
ثرثارة العطر سكرى بسائلها...
لونها لا شبيه له غيرها،
لونها صفة الشمس في نومها
لونها طعمها: حامض سكري،
غني بعافية الضوء والفيتامين c..
وليس على الشعر من حرج إن
تلعثم في سرده، وانتبه
إلى خلل رائع في الشبه!
هنالك عرس
هنالك عرسٌ علي بعد بيتين منا،
فلا تغلقوا الباب... لا تحجبوا نزوة
الفرح الشاذ عنا. فإن ذبلت وردة
لا يحس الربيع بواجبه في البكاء
وإن صمت العندليب المريض أعار الكناري
حصته في الغناء. وإن وقعت نجمة
لا تصاب السماء بسوء...
هنالك عرس ،
فلا تغلقوا الباب في وجه هذا الهواء
المضمخ بالزنجبيل وخوخ العروس التي
تنضج الآن [تبكي وتضحك كالماء.
لا جرح في الماء. لا أثر لدم
سال في الليل]
قيل: قوي هو الحب كالموت!
قلت: ولكن شهوتنا للحياة
ولو خذلتنا البراهين، أقوى من
الحب والموت/
فلننه طقس جنازتنا كي نشارك
جيراننا في الغناء
الحياة بديهية .. وحقيقية كالهباء!
****
فراغ فسيح
فراغ فسيح. نحاس. عصافير حنطيةُ
اللون. صفصافةٌ. كسلٌ. أفقٌ مهملٌ
كالحكايا الكبيرة. أرض مجعدةُ الوجه.
صيف كثير التثاؤب كالكلب في ظل
زيتونةٍ يابسٍ. عَرَقٌ في الحجارة.
شمس عمودية. لا حياة ولا موت
حول المكان. جفافٌ كرائحة الضوء في
القمح. لا ماء في البئر والقلب.
لا حُبَّ في عمل الحُبّ... كالواجب الوطني
هو الحُبُّ. صحراء غير سياحية، غير
مرئية خلف هذا الجفاف. جفاف
كحرية السجناء بتنظيف أعلامهم من
براز الطيور، جفاف كحق النساء
بطاعة أزواجهن وهجر المضاجع. لا
عشب أخضر، لا عشب أصفر. لا
لون في مرض اللون. كل الجهات
رمادية
لا إنتظار إذاً
للبرابرة القادمين إلينا
غداة احتفالاتنا بالوطن
لوصف زهر اللوز
ولوصف زهر اللوز، لا موسوعةُ الأزهار
تسعفني، ولا القاموس يسعفني...
سيخطفني الكلام إلى أحابيل البلاغةِ /
والبلاغةُ تجرح المعنى وتمدح جرحه،
كمذكر يملي على الأنثى مشاعرها /
فكيف يشع زهر اللوز في لغتي أنا
وأنا الصدى؟
وهو الشفيف كضحكة مائية نبتت
على الأغصان من خَفَر الندى...
وهو الخفيفُ كجملةٍ بيضاءَ موسيقيةٍ...
وهو الضعيف كلمح خاطرةٍ
تُطل على أصابعنا
ونكتبها شدى...
وهو الكثيف كبيت شعر لا يدونُ
بالحروف /
لوصف زهر اللوز تلزمني زيارات إلى
اللاوعي ترشدني إلى أسماء عاطفة
معلقة على الأشجار. ما اسمه؟
ما اسم هذا الشيء في شعرية اللاشيء ؟
يلزمني اختراق الجاذبية والكلام ،
لكي أحِسَّ بخفة الكلمات حين تصير
طيفا هامساً، فاكونها وتكونني
شفّافَةً بيضاءَ /
لا وطنٌ ولا منفى هي الكلمات،
بل ولعُ البياض بوصف زهر اللوز /
لا ثلجٌ ولا قُطنٌ / فما هو في
تعاليهِ على الأشياء والأسماء
لو نجح المؤلف في كتابة مقطع
في وصف زهر اللوز، لانحسر الضبابُ
عن التلال، وقال شعب كامل:
هذا هُوَ /
هذا كلامُ نشيدنا الوطنّي!
في البيت أجلس
في البيت أجلس، لا حزيناً لا سعيداً
لا أنا، أو لا أحد
صحف مبعثرة. وورد المزهرية لا يذكرني
بمن قطفته لي. فاليوم عطلتنا عن الذكرى،
وعطلة كل شيء... إنه يوم الأحد
يوم نرتب فيه مطبخنا وغرفة نومنا،
كل على حدة. ونسمع نشرة الأخبار
هادئة، فلا حرب تشن على بلد
ألامبراطور السعيد يداعب اليوم الكلاب،
ويشرب الشمبانيا في ملتقى نهدين من
عاج... ويسبح في الزبد
ألامبراطور الوحيد اليوم في قيلولة،
مثلي ومثلك، لا يفكر بالقيامة .. فهي
مُلك يمينه، هي الحقيقة والأبد!
كسلٌ خفيفُ الوزن يطهو قهوتي
والهال يصهل في الهواء وفي الجسد
وكأنني وحدي. أنا هو أو أنا الثاني
رآني واطمأنَّ على نهاري وابتعد
يوم الأحد
هو أول الأيام في التوراة، لكن
الزمان يغير العاداتِ: إذ يرتاح
ربُّ الحرب في يوم الأحد
في البيت أجلس، لا سعيداً لا حزيناً
بين بين. ولا أبالي إن علمت بأنني
حقاً أنا ... أو لا أحد!
أحب الخريف وظل المعاني
أحبُّ الخريف وظل المعاني، ويعجبني
في الخريف غموض خفيف شفيف المناديل،
كالشعر غِبَّ ولادته إذ "يَزِغلِلُهُ"
وهج الليل أو عتمة الضوء. يحبو
ولا يجد الاسم للشيء /
يعجبني مطرٌ خَفِرٌ لا يبلل إلاَّ
البعيداتِ
[في مثل هذا الخريف تقاطع موكب عرسٍ
لنا مع إحدى الجنازات، فاحتفل الحيُّ
بالميت والميتُ بالحي]
يعجبني أن أرى ملكاً ينحني لاستعادة
لؤلؤة التاج من سمكٍ في البحيرة /
تعجبني في الخريف مشاعية اللون، لا
عرش للذهب المتواضع في ورق الشجر
المتواضع، مثل المساواة في ظمأ الحب /
يعجبني أنه هدنة بين جيشين ينتظران
المباراة ما بين شاعرتين تحبان فصل الخريف،
وتختلفان على وجه الاستعارة
ويعجبني في الخريف التواطؤ بين
الرؤى والعبارة!
وأما الربيع
وأما الربيع، فما يكتب الشعراء السكارى
إذ أفلحوا في التقاط الزمان السريع
بصنارة الكلمات... وعادوا إلى صحوهم سالمين.
قليلٌ من البرد في جَمرَةِ الجُلنار
يُخفف من لسعة النار في الاستعارة
[لو كنتُ أقربَ منكِ إلىَّ
لقبلتُ نفسي]
قليلٌ من اللون في زهرة اللوز يحمي
السماوات من حجة الوثني الاخيرة
[مهما اختلفنا سندرك أن السعادة
ممكنة مثل هزَّة أرضٍ]
قليلٌ من الرقص في مهرجان الزواج الإباحي
بين النباتات سوف ينشِّط دورتنا الدموية
[لاتعرف البذرةُ الموتَ
مهما ابتعدنا]
ولا تخجل الأبدية من أحدٍ
حين تمنحُ عانتها للجميع
هنا... في الربيع السريع
كنت أحبّ الشتاء
كنت في ما مضى أنحني للشتاء احتراماً ،
وأصغي إلى جسدي. مطرٌ مطر كرسالة
حب تسيلُ إباحيَّةٌ من مجنون السماء.
شتاءٌ. نداءٌ. صدى جائع لاحتضان النساء.
هواءٌ يُرَى من بعيد على فرس تحمل
الغيم... بيضاءَ بيضاءَ. كنت أُحبُّ
الشتاء، وأمشي إلى موعدي فرحاً
مرحاً في الفضاء المبلل بالماء. كانت
فتاتي تنشفُ شعري القصير بشعر طويل
ترعرعَ في القمح والكستناء. ولا تكتفي
بالغناء: أنا والشتاء نحبُّكََ، فابقَ
إذا معنا! وتدفىءُ صدري على
شاني ظبيةٍ ساخنين. وكنت أُحبُّ
الشتاء، وأسمعه قطرة قطرة.
مطر، مطر كنداءٍ يُزفَُ إلى العاشق:
أُهطل على جسدي! ... لم يكن في
الشتاء بكاء يدلُّ على آخر العمر.
كان البدايةَ، كان الرجاءَ. فماذا
سأفعل، والعمر يسقط كالشَّعر،
ماذا سأفعل هذا الشتاء ؟
كما لو فرحت
كما لو فرحتُ: رجعت. ضغطتُ على
جرس الباب أكثر من مرةٍ، وانتظرتُ...
لعّلي تأخرتُ. لا أحدٌ يفتح الباب، لا
نأمةُ في الممرِّ.
تذكرتُ أن مفاتيح بيتي معي، فاعتذرتُ
لنفسي: نسيتُك فادخل
دخلنا ... أنا الضيف في منزلي والمضيف.
نظرتُ إلى كل محتويات الفراغ، فلم أرَ
لي أثراً، ربما ... ربما لم أكن ههنا. لم
أَجد شبهاً في المرايا. ففكرتُ: أين
أنا، وصرخت لأوقظ نفسي من الهذيان،
فلم أستطع... وانكسرتُ كصوتٍ تدحرج
فوق البلاط. وقلت: لماذا رجعت إذاً؟
واعتذرتُ لنفسي: نسيتُك فاخرج!
فلم أستطع. ومشيت إلى غرفة النوم،
فاندفع الحلم نحوي وعانقني سائلاً:
هل تغيرتَ؟ قلت تغيرتُ، فالموتُ
في البيت أفضلُ من دهسِ سيارةٍ
في الطريق إلى ساحة خالية !
فرحاً بشيء ما
فرحاً بشيء ما خفي، كنت أحتضن
الصباح بقوة الإنشاد، أمشي واثقاً
بخطاي، أمشي واثقا برؤاي. وحيٌ ما
يناديني: تعال! كأنه إيماءةٌ سحريةٌ ،
وكأنه حلمٌ ترجَّل كي يدربني على أسراره،
فأكون سيِّد نجمتي في الليل... معتمداً
على لغتي. أنا حُلمي أنا. أنا أمُّ أُمي
في الرؤى، وأبو أبي، وابني أنا.
فرحا بشيء ما خفيٍّ، كان يحملني
على آلاته الوتريةِ الإنشاد. يصقلني
ويصقلني كماس أميرة شرقية
ما لم يُغنّ الآن
في هذا الصباح
فلن يُنغَنّى
أعطنا، يا حب، فيضك كله لنخوض
حرب العاطفييّن الشريفة، فالمناخ ملائم،
والشمس تشحذ في الصباح سلاحنا،
يا حبّ! لا هدف لنا إلا الهزيمة في
حروبك... فانتصر أنت انتصر، واسمع
مديحك من ضحاياكَ: انتصر! سَلِمت
يداك! وعد إلينا خاسرين... وسالماً!
فرحا بشيءٍ ما خفيٍّ، كنتُ أمشي
حالماً بقصيدة زرقاء من سطرين، من
سطرين... عن فرح خفيف الوزن،
مرئيٍّ وسرّيّ معاً
من لا يحب الآن،
في هذا الصباح،
فلن يُحبّ!
لا أعرف الشخص الغريب
لا أعرف الشخص الغريب ولا مآثرهُ...
رأيت جنازةً فمشيت خلف النعش،
مثل الآخرين مطأطىء الرأس احتراماً. لم
أجد سببا لأسأل: من هو الشخص الغريب؟
وأين عاش، وكيف مات [فإن أسباب
الوفاة كثيرةٌ من بينها وجع الحياة].
سألتُ نفسي: هل يرانا أم يرى
عدماً ويأسف للنهاية؟ كنت أعلم أنه
لن يفتح النعش المُغطى بالبنفسج كي
يُودعنا وشكرنا ويهمس بالحقيقة
[ما الحقيقة؟]. ربما هو مثلنا في هذه
الساعات يطوي ظلَّه. لكنه هو وحده
الشخصُ الذي لم يبكِ في هذا الصباح،
ولم ير الموت المحلق فوقنا كالصقر...
[فالأحياء هم أبناء عم الموت، والموتى
نيام هادئون وهادئون وهادئون] ولم
أجد سبباً لأسأل: من هو الشخص
الغريب وما اسمه؟ [لا برق
يلمع في اسمه] والسائرون وراءه
عشرون شخصا ما عداي [أنا سواي]
وتُهتُ في قلبي على باب الكنيسة:
ربما هو كاتبٌ أو عاملٌ أو لاجئٌ
أو سارقٌ، أو قاتلٌ... لا فرق،
فالموتى سواسية أمام الموت.. لا يتكلمون
وربما لا يحلمون...
وقد تكون جنازةُ الشخص الغريب جنازتي
لكنَّ أمراً ما إلهياً يؤجلها
لأسباب عديدة
من بينها: خطأ كبير في القصيدة!
الجميلات هن الجميلات
الجميلات هنَّ الجميلاتُ
[نقش الكمنجات في الخاصرة]
الجميلات هنَّ الضعيفاتُ
[عرشٌ طفيفٌ بلا ذاكرة]
الجميلات هنَّ القوياتُ
[يأسٌ يضيء ولا يحترق]
الجميلات هنَّ الأميرات ُ
[ربَّاتُ وحيٍِ قلق]
الجميلات هنَّ القريباتُ
[جاراتُ قوس قزح]
الجميلات هنَّ البعيداتُ
[مثل أغاني الفرح]
الجميلات هنَّ الفقيراتُ
[مثل الوصيفات في حضرة الملكة]
الجميلات هنَّ الطويلاتُ
[خالات نخل السماء]
الجميلات هنَّ القصيراتُ
[يُشرَبْنَ في كأس ماء]
الجميلات هنَّ الكبيراتُ
[مانجو مقشرةٌ ونبيذٌ معتق]
الجميلات هنَّ الصغيراتُ
[وَعْدُ غدٍ وبراعم زنبق]
الجميلات، كلّْ الجميلاتُ، أنتِ
إذا ما اجتمعن ليخترن لي أنبلَ القاتلات !
كمقهى صغير هو الحبّ
كمقهى صغير على شارع الغرباء -
هو الحُبُّ... يفتح أبوابه للجميع.
كمقهي يزيد وينقُص وفق المناخ:
إذا هطل المطرُ ازداد رُوَّاده،
وإذا اعتدل الجوُّ قلُّوا ومَلُّوا..
أنا ههنا - يا غريبةُ - في الركن أجلس
[ما لون عينيكِ؟ ما اسمك؟ كيف
اناديك حين تمرين بي، وانا جالس
في انتظاركِ؟]
مقهى صغير هو الحبُّ. أطلب كأسي
نبيذ وأشرب نخبي ونخبك. أحمل
قُبعتين وشمسية. إنها تمطر الآن.
تمطر أكثر من أي يوم، ولا تدخلين.
أقول لنفسي أخيراً: لعلَّ التي كنت
انتظرُ انتظرتني.. أو انتظرت رجلاً
آخرَ - انتظرتنا ولم تتعرف عليه / عليَّ،
وكانت تقول: أنا ههنا في انتظارك.
[ما ولن عينيكَ؟ أي نبيذٍ تحبُّ؟
وما اسمُكَ؟ كيف أناديكَ حين
تمرُّ أمامي]
كمقهى صغيرٍ هو الحُبّ...
يد تنشر الصحو
يد تنشر الصحو أبيض، تسهر،
تنهى وتأمر، تنأى وتدنو، وتقسو
وتحنو. يد تكسر اللازورد بإيماءةٍ،
وترقص خيلا على النهوند. يد تتعالى.
تثرثر حين يجف الكلام. يد تسكب
البرق في قدح الشاي، تحلب ثدي
السحابة، تستدرج الناي ((أنت صدايَ)).
يدٌ تتذكر ما سوف يحدث عما قليل.
يد تتلألأ في أنجمٍ خمسةٍ... تحرم
الليل من حقه في النعاس. يد تعصرُ
المفردات فترشح ماءً. يد تتحدث عن
هجرة الطير منها إليها. يد ترفع
المعنويات في الكلمات، يد تأمر
الجيش بالنوم في الثكنات. يدٌ تتحرشُ
بالموج في جسدي. يدها همسة تلمسُ
الأوجَ: خذني... هنا الآن ... خذني !
قال لها:
ليتني كنت أصغر
قال لها: ليتني كنت أصغر...
قالت له: سوف أكبر ليلاً كرائحة
الياسمينة في الصيف
ثم أضافت: وأنت ستصغر حين
تنام، فكل النيام صغارٌ، واما أنا
فسأسهر حتى الصباح ليسودَّ ما تحت
عينيَّ. خيطان من تعب متقن يكفيان
لأبدو أكبر. أعصر ليمونة فوق
بطني لأخي طعم الحليب ورائحة القطن.
أفرك نهدي بالملح والزنجبيل فينفر نهدايَ
أكثر /
قال لها: ليس في القلب متسع
للحديقة يا بنت... لا وقت في جسدي
لغدٍ... فاكبري بهدوءٍ وبطءٍ
فقالت له: لا نصيحةَ في الحب. خذني
لأكبرَ! خذي لتصغرَ
قال لها: عندما تكبرين غداً ستقولين:
يا ليتني كُنتُ أصغر
قالت له: شهوتي مثل فاكهةٍ لا
تؤجَّلُ... لا وقت في جسدي لانتظار
غدي!
لا أنام لأحلم
لا أنام لأحلم - قالت له
بل أنام لأنساكَ. ما أطيب النوم وحدي
بلا صخب في الحرير، ابتعد لأراكَ
وحيداً هناك، تفكِّر بي حين أنساكَ /
لا شيئ يوجعني في غيابكَ
لا الليل يخمش صدري ولا شفتاكَ ...
أنام على جسدي كاملاً كاملا
لا شريك له،
لا يداك تشقان ثوبي، ولا قدماكَ
تدقّان قلبي كبندقةٍ عندما تغلق الباب /
لا شيء ينقصني في غيابك:
نهدايَ لي. سُرَّتي. نَمَشي. شامتي،
ويدايَ وساقايَ لي. كُلُّ ما فيَّ لي
ولك الصُّورُ المشتهاةُ، فخذها
لتؤنس منفاكَ، وارفع رؤاك كنخبٍ
أخير. وقل إن أردت: هواكِ هلاك.
وأمَّا أنا، فسأصغي إلى جسدي
بهدوء الطبيبة: لاشيء، لاشيء
يُوجعني في الغياب سوى عُزلة الكون!
نسيَت غيمةً في السرير
نسيَت غيمةٌ في السرير. على عجلٍ
ودَّعتني وقالت: سأنساك. لكنها
نسيت غيمة في السرير. فغطيتُها بالحرير
وقلتُ لها: لا تطيري ولا تتبعيها.
ستأتي إليكِ.
[ وكانت عصافيرُ زرقاءُ، حمراءُ،
صفراءُ ترتشف الماء من غيمةٍ
تتباطأ حين تطل على كتفيها ]
ستُدرك حين تعود إلى بيتها، دون
حاشيةٍ من عصافيرَ، أنَّ المناخ تغيّر
في ساحل الكتفين، وأن السحاب تبخر/
عندئذٍ تتذكرُ ما نسيت: غيمةً في
سريري، فترجع كي تستعيد تقاليدها
الملكية في غيمة ...
فشمَتُّ بها وابتسمتُ.
وحين دخلتُ سريري لأرقد في
الاستعارة بَللني الماء
هي / هو
هِيَ: هل عرفتَ الحب يوماً؟
هُوَ: عندما يأتي الشتاء يمسُّني
شغفٌ بشيء غائب، أضفي عليه
الاسمَ، أي اسمٍ، أَنسى...
هي: ماالذي تنساه؟ قُل!
هو: رعشة الحُمَّى، وما أهذي به
تحت الشراشف حين أشهق: دَثِّريني
دثِّريني!
هي: ليس حُباً ما تقول
هو: ليس حباً ما أَقول
هي: هل شعرتَ برغبة في أن تعيش
الموت في حضن إمرأة؟
هو: كلما اكتمل الغيابُ حضرتُ...
وانكسر البعيد، فعانق الموتُ الحياةَ
وعانَقَتهُ... كعاشقين
هي: ثم ماذا؟
هو: ثم ماذا؟
هي: واتحَّدت بها، فلم تعرف يديها
من يديك وأنتما تتبخران كغيمةٍ زرقاءَ
لا تَتَبيَّنان أأنتما جسدان... أم طيفان
أم؟
هو: من هي الأنثى - مجازُ الأرض
فينا؟ مّن هو الذَّكرُ - السماء؟
هي: هكذا ابتدأ أغاني الحبّ. أنت إذن
عرفتَ الحب يوماً!
هو: كلما اكتمل الحضورُ ودُجِّن المجهول...
غبتُ
هي: إنه فصل الشتاء، ورُبَّما
أصبحتُ ماضيكَ المفضل في الشتاء
هو: ربما... فإلى اللقاء
هي: ربما.. فإلى اللقاء!
هي لا تحبك أنت
هي لا تحبك أنت
يعجبها مجازك
انت شاعرها
وهذا كل ما في الأمر /
يعجبها اندفاع النهر في الإيقاع
كن نهراً لتعجبها!
ويعجبها جِماع البرق والأصوات
قافيةً...
تُسيلُ لعاب نهديها
على حرفٍ
فكن ألفاً ... لتعجبها!
ويعجبها ارتفاع الشيء
من شيء إلى ضوء
ومن ضوءٍ إلى جرسٍ
ومن جرسٍ إلى حِسٍّ
ويعجبها صرع مسائها مع صدرها:
[عذَّبتني يا حب
يا نهراً يصبُّ مجونه الوحشي
خارج غرفتي...
يا حُبُّ! إن لم تُدمِني شبقاً
قتلتك]
كن ملاكاً، لا ليعجبها مجازك
بل لتقتلك انتقاماً من أنوثتها
ومن شَرَك المجاز ... لعلها
صارت تحبك أنت مذ أدخلتها
في اللازورد، وصرت أنت سواك
في أعلى أعاليها هناك...
هناك صار الأمر ملتبساً
على الأبراج
بين الحوت والعذراء...
لم تأتِ
لم تأتِ. قلتُ: ولن .. إذاً
سأعيد ترتيب المساء بما يليق بخيبتي
وغيابها:
أطفأت نار شموعها،
أشعلت نور الكهرباء،
شربت كأس نبيذها وكسرتهُ،
أبدلتُ موسيقى الكمنجات السريعة
بالأغاني الفارسية.
قلت: لن تأتي . سأنضو ربطةَ
العنق الأنيقة [هكذا أرتاح أكثر]
أرتدي بيجامة زرقاء. أمشي حافياً
لو شئتُ. أجلس بارتخاء القرفصاء
على أريكتها، فأنساها
وأنسى كل أشياء الغياب /
أعدتُ ما أعددتُ من أدوات حفلتنا
إلى أدراجها. وفتحتُ كل نوافذي وستائري.
لاسر في جسدي أمام الليل إلاّ
ما انتظرتُ وما خسرتُ...
سخرتُ من هَوَسي بتنظيف الهواء لأجلها
[عطرته برذاذ ماء الورد والليمون]
لن تأتي ... سأنقل نبتة الأوركيد
من جهة اليمين إلى اليسار لكي أعاقبها
على نسيانها...
غطيتُ مرآة الجدار بمعطفٍ كي لا أرى
إشعاع صورتها ... فأندم /
قلتُ : أنسى ما اقتبستُ لها
من الغزل القديم، لأنها لا تستحقُّ
قصيدةً حتى لو مسروقةً...
ونسيتُها، وأكلتُ وجبتي السريعة واقفاً
وقرأتُ فصلاً من كتاب مدرسيّ
عن كواكبنا البعيدة
وكتبتُ، كي أنسى إساءتها، قصيدة
هذي القصيدة!
الآن بعدك
الآن، بعدكِ... عند قافية مناسبةٍ
ومنفى، تُصلح الأشجارُ وقفتها وتضحك.
إنه صيف الخريف... كعُطلةٍ في غير
موعدها، كثقبٍ في الزمان، وكانقطاعٍ
في نشيدِ
صيف الخريف تَلفُّتُ الأيام صوب حديقةٍ
خضراءَ لم تنضج فواكهُها، وصوبَ حكايةٍ
لم تكتمل: ما زال فينا نورسان يُحلِّقان
من البعيد إلى البعيد
الشمس تضحكُ في الشوارع ، والنساءُ
النازلاتُ من الأسِرَّة ، ضاحكاتٍ ضاحكاتٍ ،
يغتسلن بشمسهنَّ الداخلية، عارياتٍ عارياتٍ .
إنه صيف الخريف يجيء من وقت إضافيٍّ
جديد .
صيف الخريف يشدُّوني ويشُّدكِ : انتظرا!
لعل نهاية أخرى وأجمل في انتظاركما أمام
محطة المترو. لعل بداية دخلت إلى
المقهى ولم تخرج وراءكما. لعل خطابَ
حبّ ما تأخر في البريد.
الآن ، بعدك ... عند قافية ملائمة
ومنفى ... تُصلح الأشجارُ وقفتها وتضحك.
أَشتهيك وأشتهيك وأنت تغتسلين،
عن بعدٍ، بشمسك. إنه صيف الخريف
كعطلة في غير موعدها. سنعلم أنه
فصلٌ يدافع عن ضرورته، وعن حُبّ
خرافيّ... سعيدِ
الشمس تضحكُ من حماقتنا وتضحكُ،
لن أعود ولن تعودي!
لم ينتظرأحداً،
ولم يشعر بنقص في الوجود،
أمامه نهر رمادي كمعطفه،
ونور الشمس يملأ قلبه بالصحو
والأشجار عالية /
ولم يشعر بنقص في المكان،
المقعد الخشبي، قهوته، وكأس الماء
والغرباء، والأشياء في المقهى
كما هي،
والجرائد ذاتها: أخبار أمسِ، وعالم
يطفو على القتلى كعادته /
ولم يشعر بحاجته إلى أمل ليؤنسه
كأن يخضوضر المجهول في الصحراء
أو يشتاق ذئبٌ ما إلى غيتارة،
لم ينتظر شيئاً، ولا حتى مفاجأةً،
فلن يقوى على التكرار... أعرفُ
آخر المشوار منذ الخطوة الأولى -
يقول لنفسه - لم أبتعد عن عالمٍ،
لم أقترب من عالمٍ
لم ينتظر أحداً.. ولم يشعر بنقص
في مشاعره. فما زال الخريف مضيفه الملكي،
يغريه بموسيقى تعيد إليه عصر النهضة
الذهبي ... والشعر المُقفى بالكواكب والمدى
لم ينتظر أحداً أمام النهر /
في اللا إنتظار أُصاهر الدوريَّ
في اللا إنتظار أطون نهراً - قال -
لا أقسو على نفسي، ولا
أقسو على أحدٍ،
وأنجو من سؤال فادح:
ماذا تريد
ماذا تريد؟
برتقالية
برتقالية، تدخل الشمس في البحر /
والبرتقالة قنديل ماء على شجر بارد
برتقالية، تلد الشمس طفل الغروب الإلهيَّ /
والبرتقالة خائفة من فم جائع
برتقالية، تدخل الشمس في دورة الأبدية /
والبرتقالة تحظى بتمجيد قاتلها:
تلك الفاكهة مثل حبة الشمس
تقَشرُ
باليد والفم، مبحوحة الطعم
ثرثارة العطر سكرى بسائلها...
لونها لا شبيه له غيرها،
لونها صفة الشمس في نومها
لونها طعمها: حامض سكري،
غني بعافية الضوء والفيتامين c..
وليس على الشعر من حرج إن
تلعثم في سرده، وانتبه
إلى خلل رائع في الشبه!
هنالك عرس
هنالك عرسٌ علي بعد بيتين منا،
فلا تغلقوا الباب... لا تحجبوا نزوة
الفرح الشاذ عنا. فإن ذبلت وردة
لا يحس الربيع بواجبه في البكاء
وإن صمت العندليب المريض أعار الكناري
حصته في الغناء. وإن وقعت نجمة
لا تصاب السماء بسوء...
هنالك عرس ،
فلا تغلقوا الباب في وجه هذا الهواء
المضمخ بالزنجبيل وخوخ العروس التي
تنضج الآن [تبكي وتضحك كالماء.
لا جرح في الماء. لا أثر لدم
سال في الليل]
قيل: قوي هو الحب كالموت!
قلت: ولكن شهوتنا للحياة
ولو خذلتنا البراهين، أقوى من
الحب والموت/
فلننه طقس جنازتنا كي نشارك
جيراننا في الغناء
الحياة بديهية .. وحقيقية كالهباء!
****
فراغ فسيح
فراغ فسيح. نحاس. عصافير حنطيةُ
اللون. صفصافةٌ. كسلٌ. أفقٌ مهملٌ
كالحكايا الكبيرة. أرض مجعدةُ الوجه.
صيف كثير التثاؤب كالكلب في ظل
زيتونةٍ يابسٍ. عَرَقٌ في الحجارة.
شمس عمودية. لا حياة ولا موت
حول المكان. جفافٌ كرائحة الضوء في
القمح. لا ماء في البئر والقلب.
لا حُبَّ في عمل الحُبّ... كالواجب الوطني
هو الحُبُّ. صحراء غير سياحية، غير
مرئية خلف هذا الجفاف. جفاف
كحرية السجناء بتنظيف أعلامهم من
براز الطيور، جفاف كحق النساء
بطاعة أزواجهن وهجر المضاجع. لا
عشب أخضر، لا عشب أصفر. لا
لون في مرض اللون. كل الجهات
رمادية
لا إنتظار إذاً
للبرابرة القادمين إلينا
غداة احتفالاتنا بالوطن
لوصف زهر اللوز
ولوصف زهر اللوز، لا موسوعةُ الأزهار
تسعفني، ولا القاموس يسعفني...
سيخطفني الكلام إلى أحابيل البلاغةِ /
والبلاغةُ تجرح المعنى وتمدح جرحه،
كمذكر يملي على الأنثى مشاعرها /
فكيف يشع زهر اللوز في لغتي أنا
وأنا الصدى؟
وهو الشفيف كضحكة مائية نبتت
على الأغصان من خَفَر الندى...
وهو الخفيفُ كجملةٍ بيضاءَ موسيقيةٍ...
وهو الضعيف كلمح خاطرةٍ
تُطل على أصابعنا
ونكتبها شدى...
وهو الكثيف كبيت شعر لا يدونُ
بالحروف /
لوصف زهر اللوز تلزمني زيارات إلى
اللاوعي ترشدني إلى أسماء عاطفة
معلقة على الأشجار. ما اسمه؟
ما اسم هذا الشيء في شعرية اللاشيء ؟
يلزمني اختراق الجاذبية والكلام ،
لكي أحِسَّ بخفة الكلمات حين تصير
طيفا هامساً، فاكونها وتكونني
شفّافَةً بيضاءَ /
لا وطنٌ ولا منفى هي الكلمات،
بل ولعُ البياض بوصف زهر اللوز /
لا ثلجٌ ولا قُطنٌ / فما هو في
تعاليهِ على الأشياء والأسماء
لو نجح المؤلف في كتابة مقطع
في وصف زهر اللوز، لانحسر الضبابُ
عن التلال، وقال شعب كامل:
هذا هُوَ /
هذا كلامُ نشيدنا الوطنّي!
في البيت أجلس
في البيت أجلس، لا حزيناً لا سعيداً
لا أنا، أو لا أحد
صحف مبعثرة. وورد المزهرية لا يذكرني
بمن قطفته لي. فاليوم عطلتنا عن الذكرى،
وعطلة كل شيء... إنه يوم الأحد
يوم نرتب فيه مطبخنا وغرفة نومنا،
كل على حدة. ونسمع نشرة الأخبار
هادئة، فلا حرب تشن على بلد
ألامبراطور السعيد يداعب اليوم الكلاب،
ويشرب الشمبانيا في ملتقى نهدين من
عاج... ويسبح في الزبد
ألامبراطور الوحيد اليوم في قيلولة،
مثلي ومثلك، لا يفكر بالقيامة .. فهي
مُلك يمينه، هي الحقيقة والأبد!
كسلٌ خفيفُ الوزن يطهو قهوتي
والهال يصهل في الهواء وفي الجسد
وكأنني وحدي. أنا هو أو أنا الثاني
رآني واطمأنَّ على نهاري وابتعد
يوم الأحد
هو أول الأيام في التوراة، لكن
الزمان يغير العاداتِ: إذ يرتاح
ربُّ الحرب في يوم الأحد
في البيت أجلس، لا سعيداً لا حزيناً
بين بين. ولا أبالي إن علمت بأنني
حقاً أنا ... أو لا أحد!
أحب الخريف وظل المعاني
أحبُّ الخريف وظل المعاني، ويعجبني
في الخريف غموض خفيف شفيف المناديل،
كالشعر غِبَّ ولادته إذ "يَزِغلِلُهُ"
وهج الليل أو عتمة الضوء. يحبو
ولا يجد الاسم للشيء /
يعجبني مطرٌ خَفِرٌ لا يبلل إلاَّ
البعيداتِ
[في مثل هذا الخريف تقاطع موكب عرسٍ
لنا مع إحدى الجنازات، فاحتفل الحيُّ
بالميت والميتُ بالحي]
يعجبني أن أرى ملكاً ينحني لاستعادة
لؤلؤة التاج من سمكٍ في البحيرة /
تعجبني في الخريف مشاعية اللون، لا
عرش للذهب المتواضع في ورق الشجر
المتواضع، مثل المساواة في ظمأ الحب /
يعجبني أنه هدنة بين جيشين ينتظران
المباراة ما بين شاعرتين تحبان فصل الخريف،
وتختلفان على وجه الاستعارة
ويعجبني في الخريف التواطؤ بين
الرؤى والعبارة!
وأما الربيع
وأما الربيع، فما يكتب الشعراء السكارى
إذ أفلحوا في التقاط الزمان السريع
بصنارة الكلمات... وعادوا إلى صحوهم سالمين.
قليلٌ من البرد في جَمرَةِ الجُلنار
يُخفف من لسعة النار في الاستعارة
[لو كنتُ أقربَ منكِ إلىَّ
لقبلتُ نفسي]
قليلٌ من اللون في زهرة اللوز يحمي
السماوات من حجة الوثني الاخيرة
[مهما اختلفنا سندرك أن السعادة
ممكنة مثل هزَّة أرضٍ]
قليلٌ من الرقص في مهرجان الزواج الإباحي
بين النباتات سوف ينشِّط دورتنا الدموية
[لاتعرف البذرةُ الموتَ
مهما ابتعدنا]
ولا تخجل الأبدية من أحدٍ
حين تمنحُ عانتها للجميع
هنا... في الربيع السريع
كنت أحبّ الشتاء
كنت في ما مضى أنحني للشتاء احتراماً ،
وأصغي إلى جسدي. مطرٌ مطر كرسالة
حب تسيلُ إباحيَّةٌ من مجنون السماء.
شتاءٌ. نداءٌ. صدى جائع لاحتضان النساء.
هواءٌ يُرَى من بعيد على فرس تحمل
الغيم... بيضاءَ بيضاءَ. كنت أُحبُّ
الشتاء، وأمشي إلى موعدي فرحاً
مرحاً في الفضاء المبلل بالماء. كانت
فتاتي تنشفُ شعري القصير بشعر طويل
ترعرعَ في القمح والكستناء. ولا تكتفي
بالغناء: أنا والشتاء نحبُّكََ، فابقَ
إذا معنا! وتدفىءُ صدري على
شاني ظبيةٍ ساخنين. وكنت أُحبُّ
الشتاء، وأسمعه قطرة قطرة.
مطر، مطر كنداءٍ يُزفَُ إلى العاشق:
أُهطل على جسدي! ... لم يكن في
الشتاء بكاء يدلُّ على آخر العمر.
كان البدايةَ، كان الرجاءَ. فماذا
سأفعل، والعمر يسقط كالشَّعر،
ماذا سأفعل هذا الشتاء ؟
كما لو فرحت
كما لو فرحتُ: رجعت. ضغطتُ على
جرس الباب أكثر من مرةٍ، وانتظرتُ...
لعّلي تأخرتُ. لا أحدٌ يفتح الباب، لا
نأمةُ في الممرِّ.
تذكرتُ أن مفاتيح بيتي معي، فاعتذرتُ
لنفسي: نسيتُك فادخل
دخلنا ... أنا الضيف في منزلي والمضيف.
نظرتُ إلى كل محتويات الفراغ، فلم أرَ
لي أثراً، ربما ... ربما لم أكن ههنا. لم
أَجد شبهاً في المرايا. ففكرتُ: أين
أنا، وصرخت لأوقظ نفسي من الهذيان،
فلم أستطع... وانكسرتُ كصوتٍ تدحرج
فوق البلاط. وقلت: لماذا رجعت إذاً؟
واعتذرتُ لنفسي: نسيتُك فاخرج!
فلم أستطع. ومشيت إلى غرفة النوم،
فاندفع الحلم نحوي وعانقني سائلاً:
هل تغيرتَ؟ قلت تغيرتُ، فالموتُ
في البيت أفضلُ من دهسِ سيارةٍ
في الطريق إلى ساحة خالية !
فرحاً بشيء ما
فرحاً بشيء ما خفي، كنت أحتضن
الصباح بقوة الإنشاد، أمشي واثقاً
بخطاي، أمشي واثقا برؤاي. وحيٌ ما
يناديني: تعال! كأنه إيماءةٌ سحريةٌ ،
وكأنه حلمٌ ترجَّل كي يدربني على أسراره،
فأكون سيِّد نجمتي في الليل... معتمداً
على لغتي. أنا حُلمي أنا. أنا أمُّ أُمي
في الرؤى، وأبو أبي، وابني أنا.
فرحا بشيء ما خفيٍّ، كان يحملني
على آلاته الوتريةِ الإنشاد. يصقلني
ويصقلني كماس أميرة شرقية
ما لم يُغنّ الآن
في هذا الصباح
فلن يُنغَنّى
أعطنا، يا حب، فيضك كله لنخوض
حرب العاطفييّن الشريفة، فالمناخ ملائم،
والشمس تشحذ في الصباح سلاحنا،
يا حبّ! لا هدف لنا إلا الهزيمة في
حروبك... فانتصر أنت انتصر، واسمع
مديحك من ضحاياكَ: انتصر! سَلِمت
يداك! وعد إلينا خاسرين... وسالماً!
فرحا بشيءٍ ما خفيٍّ، كنتُ أمشي
حالماً بقصيدة زرقاء من سطرين، من
سطرين... عن فرح خفيف الوزن،
مرئيٍّ وسرّيّ معاً
من لا يحب الآن،
في هذا الصباح،
فلن يُحبّ!
لا أعرف الشخص الغريب
لا أعرف الشخص الغريب ولا مآثرهُ...
رأيت جنازةً فمشيت خلف النعش،
مثل الآخرين مطأطىء الرأس احتراماً. لم
أجد سببا لأسأل: من هو الشخص الغريب؟
وأين عاش، وكيف مات [فإن أسباب
الوفاة كثيرةٌ من بينها وجع الحياة].
سألتُ نفسي: هل يرانا أم يرى
عدماً ويأسف للنهاية؟ كنت أعلم أنه
لن يفتح النعش المُغطى بالبنفسج كي
يُودعنا وشكرنا ويهمس بالحقيقة
[ما الحقيقة؟]. ربما هو مثلنا في هذه
الساعات يطوي ظلَّه. لكنه هو وحده
الشخصُ الذي لم يبكِ في هذا الصباح،
ولم ير الموت المحلق فوقنا كالصقر...
[فالأحياء هم أبناء عم الموت، والموتى
نيام هادئون وهادئون وهادئون] ولم
أجد سبباً لأسأل: من هو الشخص
الغريب وما اسمه؟ [لا برق
يلمع في اسمه] والسائرون وراءه
عشرون شخصا ما عداي [أنا سواي]
وتُهتُ في قلبي على باب الكنيسة:
ربما هو كاتبٌ أو عاملٌ أو لاجئٌ
أو سارقٌ، أو قاتلٌ... لا فرق،
فالموتى سواسية أمام الموت.. لا يتكلمون
وربما لا يحلمون...
وقد تكون جنازةُ الشخص الغريب جنازتي
لكنَّ أمراً ما إلهياً يؤجلها
لأسباب عديدة
من بينها: خطأ كبير في القصيدة!
الجميلات هن الجميلات
الجميلات هنَّ الجميلاتُ
[نقش الكمنجات في الخاصرة]
الجميلات هنَّ الضعيفاتُ
[عرشٌ طفيفٌ بلا ذاكرة]
الجميلات هنَّ القوياتُ
[يأسٌ يضيء ولا يحترق]
الجميلات هنَّ الأميرات ُ
[ربَّاتُ وحيٍِ قلق]
الجميلات هنَّ القريباتُ
[جاراتُ قوس قزح]
الجميلات هنَّ البعيداتُ
[مثل أغاني الفرح]
الجميلات هنَّ الفقيراتُ
[مثل الوصيفات في حضرة الملكة]
الجميلات هنَّ الطويلاتُ
[خالات نخل السماء]
الجميلات هنَّ القصيراتُ
[يُشرَبْنَ في كأس ماء]
الجميلات هنَّ الكبيراتُ
[مانجو مقشرةٌ ونبيذٌ معتق]
الجميلات هنَّ الصغيراتُ
[وَعْدُ غدٍ وبراعم زنبق]
الجميلات، كلّْ الجميلاتُ، أنتِ
إذا ما اجتمعن ليخترن لي أنبلَ القاتلات !
كمقهى صغير هو الحبّ
كمقهى صغير على شارع الغرباء -
هو الحُبُّ... يفتح أبوابه للجميع.
كمقهي يزيد وينقُص وفق المناخ:
إذا هطل المطرُ ازداد رُوَّاده،
وإذا اعتدل الجوُّ قلُّوا ومَلُّوا..
أنا ههنا - يا غريبةُ - في الركن أجلس
[ما لون عينيكِ؟ ما اسمك؟ كيف
اناديك حين تمرين بي، وانا جالس
في انتظاركِ؟]
مقهى صغير هو الحبُّ. أطلب كأسي
نبيذ وأشرب نخبي ونخبك. أحمل
قُبعتين وشمسية. إنها تمطر الآن.
تمطر أكثر من أي يوم، ولا تدخلين.
أقول لنفسي أخيراً: لعلَّ التي كنت
انتظرُ انتظرتني.. أو انتظرت رجلاً
آخرَ - انتظرتنا ولم تتعرف عليه / عليَّ،
وكانت تقول: أنا ههنا في انتظارك.
[ما ولن عينيكَ؟ أي نبيذٍ تحبُّ؟
وما اسمُكَ؟ كيف أناديكَ حين
تمرُّ أمامي]
كمقهى صغيرٍ هو الحُبّ...
يد تنشر الصحو
يد تنشر الصحو أبيض، تسهر،
تنهى وتأمر، تنأى وتدنو، وتقسو
وتحنو. يد تكسر اللازورد بإيماءةٍ،
وترقص خيلا على النهوند. يد تتعالى.
تثرثر حين يجف الكلام. يد تسكب
البرق في قدح الشاي، تحلب ثدي
السحابة، تستدرج الناي ((أنت صدايَ)).
يدٌ تتذكر ما سوف يحدث عما قليل.
يد تتلألأ في أنجمٍ خمسةٍ... تحرم
الليل من حقه في النعاس. يد تعصرُ
المفردات فترشح ماءً. يد تتحدث عن
هجرة الطير منها إليها. يد ترفع
المعنويات في الكلمات، يد تأمر
الجيش بالنوم في الثكنات. يدٌ تتحرشُ
بالموج في جسدي. يدها همسة تلمسُ
الأوجَ: خذني... هنا الآن ... خذني !
قال لها:
ليتني كنت أصغر
قال لها: ليتني كنت أصغر...
قالت له: سوف أكبر ليلاً كرائحة
الياسمينة في الصيف
ثم أضافت: وأنت ستصغر حين
تنام، فكل النيام صغارٌ، واما أنا
فسأسهر حتى الصباح ليسودَّ ما تحت
عينيَّ. خيطان من تعب متقن يكفيان
لأبدو أكبر. أعصر ليمونة فوق
بطني لأخي طعم الحليب ورائحة القطن.
أفرك نهدي بالملح والزنجبيل فينفر نهدايَ
أكثر /
قال لها: ليس في القلب متسع
للحديقة يا بنت... لا وقت في جسدي
لغدٍ... فاكبري بهدوءٍ وبطءٍ
فقالت له: لا نصيحةَ في الحب. خذني
لأكبرَ! خذي لتصغرَ
قال لها: عندما تكبرين غداً ستقولين:
يا ليتني كُنتُ أصغر
قالت له: شهوتي مثل فاكهةٍ لا
تؤجَّلُ... لا وقت في جسدي لانتظار
غدي!
لا أنام لأحلم
لا أنام لأحلم - قالت له
بل أنام لأنساكَ. ما أطيب النوم وحدي
بلا صخب في الحرير، ابتعد لأراكَ
وحيداً هناك، تفكِّر بي حين أنساكَ /
لا شيئ يوجعني في غيابكَ
لا الليل يخمش صدري ولا شفتاكَ ...
أنام على جسدي كاملاً كاملا
لا شريك له،
لا يداك تشقان ثوبي، ولا قدماكَ
تدقّان قلبي كبندقةٍ عندما تغلق الباب /
لا شيء ينقصني في غيابك:
نهدايَ لي. سُرَّتي. نَمَشي. شامتي،
ويدايَ وساقايَ لي. كُلُّ ما فيَّ لي
ولك الصُّورُ المشتهاةُ، فخذها
لتؤنس منفاكَ، وارفع رؤاك كنخبٍ
أخير. وقل إن أردت: هواكِ هلاك.
وأمَّا أنا، فسأصغي إلى جسدي
بهدوء الطبيبة: لاشيء، لاشيء
يُوجعني في الغياب سوى عُزلة الكون!
نسيَت غيمةً في السرير
نسيَت غيمةٌ في السرير. على عجلٍ
ودَّعتني وقالت: سأنساك. لكنها
نسيت غيمة في السرير. فغطيتُها بالحرير
وقلتُ لها: لا تطيري ولا تتبعيها.
ستأتي إليكِ.
[ وكانت عصافيرُ زرقاءُ، حمراءُ،
صفراءُ ترتشف الماء من غيمةٍ
تتباطأ حين تطل على كتفيها ]
ستُدرك حين تعود إلى بيتها، دون
حاشيةٍ من عصافيرَ، أنَّ المناخ تغيّر
في ساحل الكتفين، وأن السحاب تبخر/
عندئذٍ تتذكرُ ما نسيت: غيمةً في
سريري، فترجع كي تستعيد تقاليدها
الملكية في غيمة ...
فشمَتُّ بها وابتسمتُ.
وحين دخلتُ سريري لأرقد في
الاستعارة بَللني الماء
هي / هو
هِيَ: هل عرفتَ الحب يوماً؟
هُوَ: عندما يأتي الشتاء يمسُّني
شغفٌ بشيء غائب، أضفي عليه
الاسمَ، أي اسمٍ، أَنسى...
هي: ماالذي تنساه؟ قُل!
هو: رعشة الحُمَّى، وما أهذي به
تحت الشراشف حين أشهق: دَثِّريني
دثِّريني!
هي: ليس حُباً ما تقول
هو: ليس حباً ما أَقول
هي: هل شعرتَ برغبة في أن تعيش
الموت في حضن إمرأة؟
هو: كلما اكتمل الغيابُ حضرتُ...
وانكسر البعيد، فعانق الموتُ الحياةَ
وعانَقَتهُ... كعاشقين
هي: ثم ماذا؟
هو: ثم ماذا؟
هي: واتحَّدت بها، فلم تعرف يديها
من يديك وأنتما تتبخران كغيمةٍ زرقاءَ
لا تَتَبيَّنان أأنتما جسدان... أم طيفان
أم؟
هو: من هي الأنثى - مجازُ الأرض
فينا؟ مّن هو الذَّكرُ - السماء؟
هي: هكذا ابتدأ أغاني الحبّ. أنت إذن
عرفتَ الحب يوماً!
هو: كلما اكتمل الحضورُ ودُجِّن المجهول...
غبتُ
هي: إنه فصل الشتاء، ورُبَّما
أصبحتُ ماضيكَ المفضل في الشتاء
هو: ربما... فإلى اللقاء
هي: ربما.. فإلى اللقاء!
هي لا تحبك أنت
هي لا تحبك أنت
يعجبها مجازك
انت شاعرها
وهذا كل ما في الأمر /
يعجبها اندفاع النهر في الإيقاع
كن نهراً لتعجبها!
ويعجبها جِماع البرق والأصوات
قافيةً...
تُسيلُ لعاب نهديها
على حرفٍ
فكن ألفاً ... لتعجبها!
ويعجبها ارتفاع الشيء
من شيء إلى ضوء
ومن ضوءٍ إلى جرسٍ
ومن جرسٍ إلى حِسٍّ
ويعجبها صرع مسائها مع صدرها:
[عذَّبتني يا حب
يا نهراً يصبُّ مجونه الوحشي
خارج غرفتي...
يا حُبُّ! إن لم تُدمِني شبقاً
قتلتك]
كن ملاكاً، لا ليعجبها مجازك
بل لتقتلك انتقاماً من أنوثتها
ومن شَرَك المجاز ... لعلها
صارت تحبك أنت مذ أدخلتها
في اللازورد، وصرت أنت سواك
في أعلى أعاليها هناك...
هناك صار الأمر ملتبساً
على الأبراج
بين الحوت والعذراء...
لم تأتِ
لم تأتِ. قلتُ: ولن .. إذاً
سأعيد ترتيب المساء بما يليق بخيبتي
وغيابها:
أطفأت نار شموعها،
أشعلت نور الكهرباء،
شربت كأس نبيذها وكسرتهُ،
أبدلتُ موسيقى الكمنجات السريعة
بالأغاني الفارسية.
قلت: لن تأتي . سأنضو ربطةَ
العنق الأنيقة [هكذا أرتاح أكثر]
أرتدي بيجامة زرقاء. أمشي حافياً
لو شئتُ. أجلس بارتخاء القرفصاء
على أريكتها، فأنساها
وأنسى كل أشياء الغياب /
أعدتُ ما أعددتُ من أدوات حفلتنا
إلى أدراجها. وفتحتُ كل نوافذي وستائري.
لاسر في جسدي أمام الليل إلاّ
ما انتظرتُ وما خسرتُ...
سخرتُ من هَوَسي بتنظيف الهواء لأجلها
[عطرته برذاذ ماء الورد والليمون]
لن تأتي ... سأنقل نبتة الأوركيد
من جهة اليمين إلى اليسار لكي أعاقبها
على نسيانها...
غطيتُ مرآة الجدار بمعطفٍ كي لا أرى
إشعاع صورتها ... فأندم /
قلتُ : أنسى ما اقتبستُ لها
من الغزل القديم، لأنها لا تستحقُّ
قصيدةً حتى لو مسروقةً...
ونسيتُها، وأكلتُ وجبتي السريعة واقفاً
وقرأتُ فصلاً من كتاب مدرسيّ
عن كواكبنا البعيدة
وكتبتُ، كي أنسى إساءتها، قصيدة
هذي القصيدة!
الآن بعدك
الآن، بعدكِ... عند قافية مناسبةٍ
ومنفى، تُصلح الأشجارُ وقفتها وتضحك.
إنه صيف الخريف... كعُطلةٍ في غير
موعدها، كثقبٍ في الزمان، وكانقطاعٍ
في نشيدِ
صيف الخريف تَلفُّتُ الأيام صوب حديقةٍ
خضراءَ لم تنضج فواكهُها، وصوبَ حكايةٍ
لم تكتمل: ما زال فينا نورسان يُحلِّقان
من البعيد إلى البعيد
الشمس تضحكُ في الشوارع ، والنساءُ
النازلاتُ من الأسِرَّة ، ضاحكاتٍ ضاحكاتٍ ،
يغتسلن بشمسهنَّ الداخلية، عارياتٍ عارياتٍ .
إنه صيف الخريف يجيء من وقت إضافيٍّ
جديد .
صيف الخريف يشدُّوني ويشُّدكِ : انتظرا!
لعل نهاية أخرى وأجمل في انتظاركما أمام
محطة المترو. لعل بداية دخلت إلى
المقهى ولم تخرج وراءكما. لعل خطابَ
حبّ ما تأخر في البريد.
الآن ، بعدك ... عند قافية ملائمة
ومنفى ... تُصلح الأشجارُ وقفتها وتضحك.
أَشتهيك وأشتهيك وأنت تغتسلين،
عن بعدٍ، بشمسك. إنه صيف الخريف
كعطلة في غير موعدها. سنعلم أنه
فصلٌ يدافع عن ضرورته، وعن حُبّ
خرافيّ... سعيدِ
الشمس تضحكُ من حماقتنا وتضحكُ،
لن أعود ولن تعودي!
مواضيع مماثلة
» ديوان ( كزهر اللوز أو أبعد )...محمود درويش...الجزء الأول
» فعالية اليوم الثاني لمهرجان مصياف المسرحي السادس
» دعوة للمشاركة بمهرجان محمد الماغوط الثاني في سورية - السلمية
» فعالية اليوم الثاني لمهرجان مصياف المسرحي السادس
» دعوة للمشاركة بمهرجان محمد الماغوط الثاني في سورية - السلمية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى